بعد مرور ثلاث سنوات من الدعوة سرًا، بدأ محمد بالدعوة جهرًا بعدما تلقّى أمرًا من الله بإظهار دينه، عن علي بن أبي طالب أنه قال: «لما نزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» جمع رسول الله
قرابته، فاجتمع له ثلاثون رجلاً، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال علي: أنا».[152][153][154] ويروي ابن عباس فيقول:[155]

![]() |
لمّا أنزلت «وأنذر عشيرتك الأقربين» صعد رسول الله ![]() | ![]() |
وبحسب رواية عن الزهري فإن قريشًا لم تعادي محمدًا ودعوتَه إلا بعد أن نزلت آيات في ذم الأصناموعبادتها،[155] في حين يتمسك مفسرو القرآن وأغلب كتاب السيرة بأن المعارضة تزامنت مع بدء الدعوة الجهرية للإسلام.[156] فاشتدت قريش في معاداتها لمحمد وأصحابه، وتصدّوا لمن يدخل في الإسلام بالتعذيب والضرب والجلد والكيّ، حتى مات منهم من مات تحت التعذيب،[149] قال ابن مسعود «أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول الله
، وأبو بكر، وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية. فأما رسول الله
وأبو بكر فمنعهما قومهما، وأما الآخرون فأُلبسوا أدرع الحديد ثم صُهروا في الشمس وجاءأبو جهل إلى سمية فطعنها بحربة فقتلها».[157] حتى محمدًا قد ناله نصيب من عداوة قريش، من ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص «بينما رسول الله
يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطفأخذ بمنكب رسول الله
ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله
وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم».[158] وقد كان من أشدّهم معاداة لمحمد وأصحابه أبو جهل، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن قيس بن عدي، والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط،[155] حتى دعا على بعضهم قائلاً: «اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد».[159]





سلكت قريش طريق المفاوضات لثني محمد عن دعوته، فأرسلت عتبة بن ربيعة أحد ساداتهم يفاوضه، فلما سمع القرآن عاد لقريش وقال «أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكوننّ لقوله الذي سمعت منه بنبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزّكم». ثم حاولوا مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا كان يرفض في كل مرة.[149] ولما كان محمد في حصانة عمّه أبي طالب، أرسلوا وفودًا لعمّه يعاتبونه مرات عديدة،[156] حتى صعُب على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم له، فقال لمحمد «يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا كذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك»، فظنّ محمد أن قد بَدَا لعمّه فيه، وأنه خاذله ومُسْلمه، وضعف عن القيام معه. فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس في يميني، والقمر في يساري، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». ثم بكى محمد، فقال له أبو طالب «يا ابن أخي، إمضِ على أمرك وافعل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا»
No comments:
Post a Comment